فنزويلا- مادورو يفوز بولاية ثالثة وسط شكوك المعارضة وانتقادات دولية

المؤلف: عبير الفقيه10.17.2025
فنزويلا- مادورو يفوز بولاية ثالثة وسط شكوك المعارضة وانتقادات دولية

شهدت جمهورية فنزويلا يوم أمس الأحد انتخابات رئاسية ذات أهمية عالمية، جذبت اهتمامًا واسع النطاق، حيث كانت بمثابة اختبار حقيقي للرئيس الحالي نيكولاس مادورو وحكومته، وذلك لمواجهة قوة المعارضة التي اكتسبت زخمًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة.

بعد انقضاء ست ساعات من إغلاق مراكز الاقتراع، وفي تصريح لرئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، وبعد فرز ما يقارب 80% من الأصوات، أُعلن رسميًا فوز الرئيس نيكولاس مادورو بولاية رئاسية جديدة، بعد حصوله على نسبة تقارب 51% من الأصوات، في مقابل 44% لمنافسه إدموندو غونزاليس.

كل الاحتمالات واردة

وكما كان متوقعًا على نطاق واسع، سرعان ما رفضت قوى المعارضة هذه النتائج، مؤكدة وجود عمليات تزوير واسعة النطاق، أدت إلى حرمان مرشحها من الفوز الذي وصفته بـ "المثبت"، وعلى الفور، توالت ردود الفعل الدولية، التي عبرت في معظمها عن شكوك عميقة حول مصداقية ونزاهة نتائج هذه الانتخابات.

ليس من قبيل المبالغة القول بأن السيناريو الذي يلي إعلان النتائج في فنزويلا، يحمل في طياته كل الاحتمالات الممكنة، حيث تشير التصريحات المتباينة للخصمين خلال الحملات الانتخابية، والظروف المحيطة بعملية التصويت، والأحداث اللاحقة، إلى أن كل الاحتمالات تبقى واردة، بداية من الصراعات الداخلية الحادة، ووصولًا إلى الفوضى الشاملة. لفهم هذه التعقيدات، يتعين علينا استعراض مجموعة من المعطيات الأساسية لفهم المشهد الفنزويلي بكل أبعاده.

إن الفوز في هذه الانتخابات يمنح الرئيس مادورو بذلك ولاية ثالثة، كان قد بدأها بتوليه منصب الرئاسة المؤقتة خلال فترة مرض الرئيس الراحل هوغو تشافيز في عام 2013، ثم فاز بولاية رسمية أولى في عام 2014، تبعتها ولاية ثانية "محل جدل" في عام 2019، لتختتم بالولاية الحالية التي بدأت أمس الأحد وتنتهي في عام 2031، مما يجعله صاحب أطول فترة رئاسية متتالية في تاريخ فنزويلا (18 عامًا).

تصنف هذه الولايات الرئاسية ضمن إطار مشروع سياسي يساري اجتماعي، أطلقه القائد الراحل تشافيز في عام 1999، على الرغم من إصرار بعض الشخصيات اليسارية على انتقاد الرئيس مادورو، ووصفه بأنه ليس "خير خلف لخير سلف"، على عكس الصورة التي يسعى هو نفسه لتقديمها.

أما فيما يتعلق بخصمه إدموندو غونزاليس، الدبلوماسي السابق، الذي حصل على 44% من الأصوات، وفقًا لما أعلنه رئيس الهيئة الانتخابية، فقد تم اختياره لخوض الانتخابات من قبل قوى المعارضة، كبديل لماريا ماتشادو، التي كانت الخيار الأول والأكثر توافقًا بين أطياف المعارضة، قبل أن يتم منعها من الترشح من قبل نظام مادورو، الذي أصدر ضدها قرارًا قضائيًا يحرمها من الترشح لمدة 15 عامًا، مما اضطر المعارضة إلى ترشيح غونزاليس بدلاً منها، مع بقاء ماتشادو حاضرة وداعمة له في كل مراحل الحملة الانتخابية.

تحديات وانقسامات

من الجدير بالذكر أن المعارضة الفنزويلية واجهت صعوبات جمة في التوصل إلى اتفاق نهائي حول مرشح موحد، وتجاوز حالة الانقسام التي عانت منها طويلاً، ولكنها تمكنت خلال الفترة الأخيرة من استقطاب قاعدة شعبية واسعة وغير مسبوقة، خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بفنزويلا.

هناك معطيات أخرى تستحق التنويه بها في سياق هذه الانتخابات، منها أن المعارضة لم تتوقف عن اتهام النظام الحاكم بالاستئثار بالسلطة والثروات الهائلة للبلاد، واحتكار ولاء الشعب من خلال تقديم مساعدات غذائية مدعومة، والإصرار على إقناعهم بأن الحصار المفروض من قبل الولايات المتحدة هو السبب الرئيسي وراء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد.

في المقابل، يتهم النظام الحاكم المعارضة بالتحالف مع قوى خارجية، والاستعداد للتضحية بموارد البلاد مقابل الحصول على دعمها وضمان وصولها إلى السلطة، وهو ما يعتبره البعض صحيحًا، استنادًا إلى الاصطفافات الواضحة مع واشنطن وتل أبيب وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وبغض النظر عن الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، فإن الطموحات للسيطرة على ثروات فنزويلا النفطية والمعدنية، تبقى المحرك الرئيسي للصراع السياسي الدائر، وهو ما يفسر من جهة إصرار النظام الحالي على الحفاظ على سيادة البلاد على مواردها الطبيعية، اقتداءً بمواقف الرئيس الراحل تشافيز وقراره بالتمرد على الهيمنة الأمريكية.

من جهة أخرى، تتبنى المعارضة، وبدعم من واشنطن، استراتيجية تهدف إلى إضعاف نظام تشافيز، ومن بعده مادورو، من خلال فرض العقوبات وتحريض الشعب ضده، بهدف الوصول في نهاية المطاف إلى هزيمته في صناديق الاقتراع، واستعادة زمام الحكم. وهو هدف يستحق التضحية من الجانبين، في بلد يمتلك أكبر احتياطي نفطي مثبت في العالم، يتجاوز 300 مليار برميل.

وفي أول خطاب له بعد صدور النتائج الأولية وتأكيد فوزه، صرح الرئيس الفنزويلي مادورو بأن الموقع الإلكتروني للهيئة الوطنية للانتخابات تعرض لهجمات إلكترونية متكررة، بهدف التشويش على فرص فوزه، وأكد للمعارضة التي شككت في نزاهة الانتخابات، أن الهيئة تعتمد نظامًا إعلاميًا متطورًا، يضمن نشر جميع محاضر التصويت بشفافية تامة في وقت لاحق.

كما استغل الفرصة لتوجيه انتقادات حادة إلى الإدارة الأمريكية، مطالبًا إياها باحترام الشأن الداخلي لفنزويلا، وعدم التدخل فيه من خلال التشكيك في نتائج الانتخابات، مؤكدًا أن فنزويلا لم تتدخل في الشأن الأمريكي عندما شكك الرئيس السابق دونالد ترامب في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2021.

تهور وتناقض

اعتبر بعض المحللين هذا التشبيه متهورًا ومتناقضًا، نظرًا للتغير السريع في لهجة الرئيس مادورو بعد الانتخابات، ومحاولته تلطيف خطابه تجاه الإدارة الأمريكية، ودعائه للرئيس السابق ترامب وللشعب الأمريكي، أثناء محاولة الاغتيال التي تعرض لها ترامب مؤخرًا.

جاء هذا التصريح ردًا على تعليق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على نتائج الانتخابات، والذي أعرب فيه عن مخاوفه من "أن تكون النتائج المعلنة لا تعكس إرادة الشعب الفنزويلي"، داعيًا المجتمع الدولي إلى مراقبة الوضع في فنزويلا عن كثب، في إشارة إلى احتمال وجود تلاعب في النتائج.

وعلى الرغم من استياء الرئيس مادورو من تصريح بلينكن، إلا أن تغريدة رئيس تشيلي كانت أكثر صراحة وشدة، وتصدرت قائمة الانتقادات من قادة المنطقة الآخرين، حيث طالب فيها نظام الرئيس مادورو بالاعتراف بأن الأرقام التي نشرها "صعبة التصديق"، مؤكدًا أن المجتمع الدولي والشعب الفنزويلي، وخاصة الملايين من الفنزويليين في المنفى، يشترطون النزاهة الكاملة في نشر محاضر التصويت، وبشهادة المراقبين الدوليين المحايدين.

في تغريدته، أشار رئيس تشيلي إلى عدد الناخبين الفنزويليين في الخارج، الذين منعهم القانون الفنزويلي من التصويت، والبالغ عددهم حوالي أربعة ملايين ونصف المليون ناخب، والذين أكد معظمهم دعمهم لقوى المعارضة.

أما الرئيس البرازيلي ونظيره الكولومبي فلم يعلنا أي موقف رسمي حتى الآن، علمًا بأنهما كانا قد دعوا الرئيس مادورو قبل أيام قليلة إلى احترام نتائج الانتخابات مهما كانت، في إشارة ضمنية إلى حقيقة قوة حظوظ المعارضة في الفوز.

أما الأمر الذي فاجأ الكثيرين، فهو تصريح ماريا ماتشادو، التي كانت كعادتها إلى جانب المرشح غونزاليس، تعليقًا على النتائج، حيث قالت إن مرشح المعارضة حصل على 70% من الأصوات في 40% من المحاضر التي يملكها مراقبو المعارضة، وبالتالي فإن فوز الرئيس مادورو غير صحيح، على حد قولها.

أثار هذا التصريح استياء بعض المعلقين في القنوات الفضائية الصديقة لها، وعلى رأسها قناة "سي إن إن" الناطقة باللغة الإسبانية، والتي لم تستبعد أن تتعرض ماتشادو للسجن بسبب هذا التصريح المثير للجدل!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة